ما لم ترد إشارة إلى غير ذلك، فجميع ما في هذه المدونة من ترجمة أو كتابة هو لصاحب المدونة، أحمد شافعي، ولا يجب التعامل مع أي مادة هنا بما يتجاوز القراءة

الثلاثاء، 28 أبريل 2020

إيفان بولند ... ما قد يبقى من أي أطلانطس


ما قد يبقى من أي أطلانطس


ولدت إيفان بولند في دبلن بأيرلندة عام 1944، لأب دبلوماسي وأم رسامة انطباعية. في السادسة من عمرها، انتقلت إيفان مع أسرتها إلى لندن، حيث عانت للمرة الأولى من مشاعر كراهية الأيرلنديين. وفي وقت لاحق عادت إلى دبلن لتلتحق بالمدرسة، ثم لتدرس في كلية ترينيتي التي تخرجت فيها عام 1966. إضافة إلى دراستها في لندن ونيويورك.
Eavan Boland

من دواوينها "منتخبات جديدة" عام 2008، عنف أسري عام 2007، "ضد القصائد الغرامية" عام 2001، "الأرض الضائعة" عام 1998، "مصدر كالماء" عام 1996. "في زمن العنف" عام 1994. "خارج التاريخ" عام 1990. "الرحلة وقصائد أخرى" عام 1986، وغيرها من الدواوين التي بدأت نشرها عام 1980.
حصلت على عدد من الجوائز الأدبية المحلية والأوربية، وتمارس التدريس في كلية ترينيتي وجامعات أخرى. وتوفيت في عام 2020.
من ديوانها "الأرض الضائعة" الصادر عام 1998 هذه القصيدة:
***
أطلانطس .. سوناتا ضائعة
كم سألت نفسي
تُرى كيف لمدينة كاملة
بأقواسها، وعمدها، وجدرانها
ناهيكم عن المركبات والحيوانات،
أن تغوص هكذا ذات يوم؟

وكم قلت لنفسي
إن العالم أيامها كان صغيرا.
فهل من المؤكد أن مدينة عظيمة ضاعت؟

كم أفتقد مدينتنا القديمة
بفلفلها الأبيض، وحلواها البيضاء، وبي وبك
نلتقي أسفل النوافذ المروحية والسماوات الخفيضة
لنعود معا إلى البيت.

وأحسب أن ما حدث فعلا
هو أن مؤلفي الحكايات الخرافية القدماء
فتشوا وفتشوا عن لفظ يقولون فيه
إن ما كان قد كان وإنه لن يعود
وإنهم أطلقوا على حزنهم ذلك اسما
وإنهم بأنفسهم أغرقوه.
***
لست بحاجة لكي تدخل أطلانطس إلى الاشتراك في يانصيب سنوي يفوز به خمسون ألفا من كل أنحاء العالم، ولا يمكن للمغضوب عليهم والضالين أن يشاركوا فيه من الأساس. أنت بحاجة إلى ما هو أصعب من ذلك بكثير، بحاجة إلى أن تكون هناك أطلانطس أساسا. أو لعلك بحاجة إلى ما هو أكثر إمتاعا وأقدر على البقاء: أن تتخيل.
***
وأحسب أن ما حدث فعلا
هو أن مؤلفي الحكايات الخرافية القدماء
فتشوا وفتشوا عن لفظ يقولون فيه
إن ما كان قد كان وإنه لن يعود
وإنهم أطلقوا على حزنهم ذلك اسما
وإنهم بأنفسهم أغرقوه.
لعل إيفان بولند تقصد بصناع الخرافات القديمة أو مؤلفيها شخصا واحدا معروفا باسمه هو أفلاطون.
***
أفلاطون أقدم من تكلم عن أطلانطس، المدينة الجزيرة التي يعتقد أنها كانت موجودة، وأنها كانت قوة بحرية كبيرة سيطرت على غرب أوربا، وحاولت غزو أثينا، ففشلت، ويعتقد أيضا أنها غرقت في يوم واحد. ويميل بعض الدارسين إلى أن أفلاطون قد اختلق الجزيرة اختلاقا للتدليل على بعض نظرياته السياسية. وعلى كل حال، تبقى أطلانطس وإرم ذات العماد، وربما غيرهما، مدنا أكثر إثارة للحلم والخيال من نيويورك وباريس وبرلين.
***
تميل إيفان بولند إلى أن أطلانطس لم تكن موجودة أصلا، فكيف تختفي في يوم واحد مدينة بأقواسها وعمدها ومركباتها وحيوانتها (ولاحظوا أن الشاعرة لم تشر إلى البشر مطلقا)؟ وترى أيضا أن صناع الخرافات اخترعوا أطلانطس لتكون اسما للفقد، أو للحزن الناقد عن الفقد، عن ضياع شيء بلا أمل مطلقا في رجوعه.
وبرغم ذلك، برغم إيمانها بأسطورية المدينة، أو حتى بخرافيتها، لا يمنعها هذا من أن تفتقد فلفلها الأبيض وحلواها البيضاء، وعودتها هي وحبيبها إلى بيتهما فيها، مستظلين بسماء خفيضة، ومستمتعين بنوافذ جميلة.
يقول الشاعر الأمريكي تشارلز سيميك: إنني أتخيل مدنا لأتوه فيها. فهل كان في قوله هذا ينطق أيضا بصوت إيفان بولند؟ وهل كان يشعر بمثل ما شعر به أفلاطون؟
***
كم أفتقد مدينتنا القديمة
بفلفلها الأبيض، وحلواها البيضاء، وبي وبك
نلتقي أسفل النوافذ المروحية والسماوات الخفيضة
لنعود معا إلى البيت.
لتمتلئ المدن ما شاءت بتماثيل الزعماء، طغاتهم وعادليهم، بأقواس النصر، مزيفها وصادقها، بالصروح الغافلة عن الأكواخ، والأكواخ الغافلة عن الصروح، لتمتلئ بالأكاذيب والحقائق، لتمتلئ بما تشاء، على أن تعلم وهي تمتلئ أن ما سيبقى له الحنين حقا من كل ما فيها لن يعدو حنين امرأة إلى رجل، أو رجل إلى امرأة. الأغنيات لا الأناشيد. الصلوات لا العظات. الأوطان لا الدول.