ما لم ترد إشارة إلى غير ذلك، فجميع ما في هذه المدونة من ترجمة أو كتابة هو لصاحب المدونة، أحمد شافعي، ولا يجب التعامل مع أي مادة هنا بما يتجاوز القراءة

الخميس، 26 نوفمبر 2015

رضا محمدي ... مقام الخراف

مقام الخراف

Reza Mohammadi

ولد الشاعر "رضا محمدي" في قندهار سنة 1979. درس الشريعة الإسلامية ثم الفلسفة في إيران قبل أن يحصل على الماجستير من جامعة متروبوليتان  في لندن. له ثلاثة كتب شعرية حصل بها على عدد من الجوائز من وزارة الثقافة الأفغانية، علاوة على اختياره أفضل شاعر شاب في إيران في عامي 1996 و1997. وهو علاوة ذلك صحفي ومعلق ثقافي نشرت مقالاته في إيران وفي أفغانستان وفي ذي جارديان البريطانية. ويعد أحد أكثر الشعراء إثارة للاهتمام بين الشعراء الذين يكتبون بالفارسية اليوم.
هذه المعلومات والقصيدة التي نقدمها له هنا مأخوذة جميعا من موقع المركز العالمي لترجمة الشعر.
***
كرة القدم
السياسة نهر
يفصل ما بين القريتين.

أنتم أيها الجنود
أنزلوا أسلحتكم
وهَدِّؤوا من روع أجهزة اللاسلكي
ولا داعي للأصفاد
أو التحذيرات
أو الأكمنة.

نحن لسنا منكم.
نحن لسنا منهم.

نحن نريد فقط أن نعبر
كي نستعيد الكرة.
***
ويبقى مسموحا للخراف دون الراعي أن تعبر الحدود. هكذا كان الحال في فيلم الحدود الذي لعب دور البطولة فيه الفنان السوري دريد لحام، والذي كتبه أيضا شاعر سوريا الراحل الكبير محمد الماغوط.
في ذلك الفيلم، كان بوسع المواطن، أو الإنسان، أن يقف بين بلدين، مشاهدا الحيوانات تسعى حيثما شاء لها العشب أن تسعى، ويرى الطيور تعبر ببساطة من سماء بلد إلى سماء بلد، دون أن تشعر قطعا بأن شيئا تغير، ويبقى هو مطالبا بورقة تسمح له بالمرور، وورقة تسمح له بالإقامة، وهكذا هو الحال في كلا جانبي السياج.
ذلك أن السياسة نهر، يفصل ما بين القريتين، والقرى، وبين البلدين والبلاد، بل إن البحر والمحيط وكل هذه المياه التي تبدو متصلة بين قارات الدنيا لا يعوقها عائق، حتى هذه المياه مقسمة تحرسها قوات بحرية، وغواصات بعضها مزود برؤوس نووية أو قادر على إطلاقها.
نحن لسنا منكم
نحن لسنا منهم
كلما التقى جمعان أو تناوشا، كانت الأغلبية ـ والغلبة في نهاية المطاف ـ لهؤلاء الذين لا هم من هؤلاء ولا من أولئك. تعالوا نرجع بالذاكرة إلى قرون بعيدة كانت تتنازع فيها السيادة على العالم قوتان: قوة الفرس وقوة الروم، فيغلب كل فريق الآخر حينا، وينغلب منه حينا، وتنتهي الحكاية كما نعرف بظهور قوة جديدة من قوم كانوا أشتاتا في الصحراء لا هم من هؤلاء ولا هم من أولئك، ولكنهم بدلا من أن ينهمكوا في لعب الكرة كانوا منهمكين في كتابة الشعر والتجارة والرعي والتحارب الداخلي بين الحين والآخر. غفل الكبار في صراعاتهم فاستهلكتهم وجعلتهم من بعد لقمة سائغة لدولة ناشئة، غفلوا مثلما يغفل الكبار عن آخرين يملأون لا صحراء العرب وحدها بل وكل مكان. في الوقت الذي كان الصراع فيه على أشده بين القوتين العظميين كانت مراكب تعبر النيل بالفخار، وقوافل تتنقل في وسط آسيا بالحرير، وملايين البشر الصُّفر يتعبدون إلى إله ميزته الخالدة أنه بدين ومبتسم، وكان هناك في عالم لن يتم اكتشافه إلا بعد قرون حضارة كاملة وتقويم خاص وتصورات مختلفة تمام الاختلاف عن الوجود والمآل.

وحتى داخل البلد الواحد، ثمة من ينسون في نشوة حملهم السلاحَ من الذي وضع في أيديهم هذا السلاح، من الذي كتب القوانين التي تخوِّل لهم إيقاف الناس في الطرقات هذا لأنه أسرع السير، وهذا لأنه يتسكع في سيره، وذلك لأنه يعتدي على أملاك الدولة، وكأن الدولة شيء آخر غير هؤلاء الصغار، أو لنقل البسطاء الذين ينسون هم أيضا وهم مشغولون بالكرة أو باللقمة أنهم أساس كل هذه النجوم على الأكتاف، وكل هذه الرايات على المعسكرات، وأنهم قد لا يضطرون في لحظة مجهولة أن يغيّروا رأيهم، يكفي أن يتذكروا أنهم ورثة الموِّكلين الأوائل، وأن بوسعهم أن يسحبوا التوكيل، أو يعدِّلوا صيغته. وفي فيلم أمريكي ما طلب معلم من تلاميذه في فصل بمدرسة ابتدائية أن يأتي كلٌّ منهم بفكرة مبتكرة، فجاء أحدهم بفكرة استسخفها المدرس، وتجاهلها الفيلم تماما، ولعلها لم ترسم على وجوه المشاهدين إلا بسمة، كانت فكرة الولد أن يُدعَى الصينيون، المليار ونصف مليار تقريبا، إلى أن يقفزوا جميعا في لحظة واحدة إلى أعلى قفزة بسيطة، ثم ينزلوا بعدها إلى الأرض، الأرض التي أحسب مثلما تصوّر على الأرجح ذلك الصبي الخيالي في ذلك الفيلم الأمريكي، أنها بعد هذه القفزة لن تكون ثانية نفس الأرض.

الخميس، 19 نوفمبر 2015

فقه البلاد المتخيَّلة

فقه البلاد المتخيَّلة

ولد لاري باتريك ليفيس في فريسنو بولاية كاليفورنيا الأمريكية في الثلاثين من سبتمبر عام 1946. كان والده من زارعي العنب، وفي شبابه كان باتريك يسوق جرَّارا، ويقلِّم الكروم، ويقطف العنب في سيلما بولاية كاليفورنيا، حصل على درجة البكالريوس عام 1968 من كلية ولاية فرسنو (والتي تحمل اليوم اسم جامعة ولاية كاليفورنيا بـ فرسنو)، وحصل على درجة الماجستير من جامعة سيراكيوز عام 1970، ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة أيوا عام 1974.
فاز ديوانه الأول الصادر عام 1972 بعنوان "طاقم الحطام"بجائزة الولايات المتحدة من منتدى الشعر الدولي. وكان ديوانه الثاني "الحياة الأخرى" الصادر عام 1976 ضمن مختارات لامونت الشعرية من أكاديمية الشعراء الأمريكيين. وفي عام 1981 فاز ديوانه "شبح صانع الدمى" بالمسابقة المفتوحة للسلسلة الوطنية للشعر.
قال الناقد الأمريكي روبرت ميزي إن "شعر لاري ليفيس حافل بالمفاجآت، وليست مفاجآته من النوع الممل الذي يسهل التنبؤ به والذي يمكن إعداده من خلال هذه المعادلة أو تلك، ولكنها مفاجآت تنتج عن صدمة منعشة لا تتأتى إلا من أفكار طازجة تأتي من عمل شاعر حقيقي".
كتب الشاعر والناقد توني هوجلاند يقول إن "ليفيس لا يهتم بالمعادِلات الاستعارية بوصفها وسيلةً للوضوح المنطقي، أو الإقناع، أو التركيز، ولكنه يستخدم الصورة وسيلةً للبحث، كنوع من التجريب، كإصبع يشير إلى المجهول". درَّس باتريك ليفيس اللغة الإنجليزية في جامعة ميزوري بين عامي 1972 و1980 كأستاذ مساعد، وأدار برنامج الكتابة الإبداعية في جامعة أوتاه بين عامي 1980 و1992، وابتداء من ذلك العام وحتى وفاته (1996) كان ليفيس أستاذا للغة الإنجليزية في جامعة فرجينيا كومونوِلث.
توفي باتريك ليفيس بسكتة قلبية عام 1996 عن تسعة وأربعين عاما، وصدر آخر دوواوينه بتحرير الشاعر الكبير فيليب ليفين عام 1997 بعنوان "مرثية".
القصيدة التي نقدمها فيما يلي مأخوذة من ديوانه الثاني "الحياة الأخرى".
***
في بلد
أنا وحبيبتي نخترع بلدا
بوسعنا الآن أن نراه يتشكّل
ونرى كأن عجلاتٍ تدور
في وحلٍ أصفر.
ولكن هناك مشكلة:
لو وضعنا نهرا في البلد
فسيذوب جليده ومن ثم يفيض.
ولو وضعنا النهر على الحدود
فقد بدأت المشاكل.
ولو أغفلنا النهر بالمرة
فلن يكون هناك مخرج.
وهناك دائما سماء على البلد
تنتظر السحاب أو الدخان.
وطيور لا بد أن تطير فيها، كذلك.
وشجر في مساء كل ليلة
يمتلئ بأعين هذه الطيور،
وما تراه أعينُ الطيور
أنَّى لنا نحن أن نمحوه.

ذات يوم كان الجليد ينهمر بغزارة
وكنا كالعادة في الفراش
نشاهد بلدنا:
يومها تصوَّرنا النهر للمرة الأولى
عريضا وأزرق وسريعا.
كان يبدو أننا نقترب
رأينا آثار عجلاتنا تؤدي إليه
وتنحني حتى تختفي خلفنا.
بدا البلد كأنه الأرض التي رحلنا عنها
ببعض دخان معلَّق في البعيد
ولكنني لم أكن واثقا.
كان ثم طيور تتصايح
وقعقعة عجلاتنا
ولحظة كنا ندخل البلد
بدا كأن شخصا ما
يمسُّ برقة كتفينا العاريين
لآخر مرة.
***
ما أكثر من حلموا ببلد غير هذا البلد. دائما هناك هذا البلد الذي يحلم بالرحيل إليه العشاقُ المأزومون، واليائسون من التغيير، والهاربون من أنفسهم أو من سواهم، واللصوص أيضا، أعني كبار اللصوص على الأقل، الحاصلين على القروض الكبيرة بلا ضمانات كافية، والطغاة المخلوعين، والهاربين من تنفيذ الأحكام. ثمة بلد يحاول أن يهرب إليه الفقراء فيبتلعهم البحر، وكأنما الغرق وحده هو الذي حال دون وصولهم إليه.
ودائما هناك هذا البلد الطوباوي الذي تتحقّق فيه الأحلام، الذي ليس بيننا وإياه إلا أن نغمض أعينا وندرِّب خيالنا. لا ينبغي هنا أن نصادف من العقبات ما لا يمكن التغلب عليه. لا وقوف على أبواب السفارات، ولا خلع أحذية في المطارات، ولا خوفا من المجهول. بعينين مغمضتين فقط نرى ما نريد.
غير أن هذه القصيدة تهدِّد هذا البلد. وليته تهديد واضح، إذن لهان الرعب.
قرأت مرة عن أقصر قصة رعب في العالم، أحكيها لكم من الذاكرة: "جلس آخر البشر في غرفته، وسمع طرقة على الباب". هذه هي القصة تقريبا. إنسان بعد نهاية العالم، في غرفة، وطرقة على الباب. هذه قصة رعب فعلا، بل لعلها قصة الرعب الوحيدة، فالمخيف هنا هو جذر المخيف الحقيقيُّ الذي نبتت منه الميتافيزيقا كلها، هو المجهول الذي لا سبيل إلى معرفته إلا باختراعه، بفتح باب لا تفتحه القصة، فيبقى القارئ يفتحه إلى الأبد.
في هذه القصيدة أيضا لمسة، تربيتة على كتفي عاريين يعبران إلى بلد خيالي. وكل شيء محتمل، إلا أن تصادف في خيالك الذي تخترعه لنفسك شيئا لم تخترعه بنفسك، أو شخصا لم تضعه بنفسك ليمنحك تربيتة وأنت خارج من البلد.
***
ولا بد لكل بلد من نهر. هذه معلومة جديدة. إضافة شعرية إلى الجغرافيا، ونواميس الطبيعة. فلو أغفلنا النهر في بلد، لن يكون لنا منه مخرج. وهذه إضافة جديدة إلى فقه البلاد المتخيَّلة: لا تتخيل بلدا يستحيل عليك الخروج منه.

السبت، 14 نوفمبر 2015

روز أزسلاندر ...انتهى المهرجان

انتهى المهرجان
روز أزسلاندر

المهرجان انتهى، والركود ابتدأ
وبدأت أيام الخبز العفن والجذور المرة
كم أنا جائعة إلى لحم التين
وظامئة إلى البرتقال

سرت صحبة قافلة
فعبرنا الصحراء
لا طعام لنا سوى التمر
والرمل يملأ حلقي
صار ظهر ناقة
هو بيتي
والساعات كالأفران من حول رأسي
ونجوم برج العقرب
والدب الأكبر

لدى الفجر يحمرُّ الأفق
وثَمَّ سرابٌ لا اقتراب لنا منه
لم نلق مأوى طوال الرحيل
سوى واحة
لمائها رائحة الأفيون والقمر والنار
والتمر والتين فيها
نال منها الذبول.


Rose Ausländer



روز أوسلاندر (1901 ـ 1988) شاعرة ألمانية يهودية. والقصيدة مترجمة عن ترجمة جين يواز  بيرنارد وأنطوني فيفيس إلى الإنجليزية

الجمعة، 13 نوفمبر 2015

دونالد جاستيس ... إحصاء المجانين

إحصاء المجانين
 دونالد جاستيس

هذا ألبسوه سترة
هذا بعثوه لبلده
هذا منحوه خبزا ولحما
فما أكل منهما،
وهذا كان يصيح لا لا لا لا
طوال النهار.

هذا كان ينظر لشباك
كأنه جدار،
هذا كان يرى أشياء غير موجودة
وهذا أشياءَ موجودة،
وهذا كان يصيح لا لا لا لا
طوال النهار.


هذا كان يحسب نفسه عصفورا
وهذا كلبا
وهذا كان يحسب نفسه إنسانا
إنسانا عاديا
فيصيح لا لا لا لا
طوال النهار.

الخميس، 12 نوفمبر 2015

أناتولي كودريافيتسكي ... ذوو الرداء الأحمر

ذوو الرداء الأحمر
Anatoly Kudryavitsky


ولد الشاعر والروائي الروسي الأيرلندي "أناتولي كودريافيتسكي" في موسكو سنة 1954 لأب بولندي وأم نصف أيرلندية. عاش في روسيا وفي ألمانيا ويعيش حاليا في دابلن.
وضع سنة 1979 على القائمة السوداء للكتّاب المعروفين بالـ ساميزدات Samizdat  وهم الكتاب الممنوعة أعمالهم في الاتحاد السوفييتي السابق، فلم ير أعماله منشورة إلا في عام 1989 حيث توالى ظهور أعماله في أهم المجلات الأدبية الروسية. أسس جمعية الشعر الروسي وكان أول رؤسائها، وفي الفترة من 1999 إلى 2004 كان ضمن أعضاء مجلس إدارة الاتحاد الدولي للاتحادات الشعرية التابع اليونسكو.
يترجم شعره بنفسه إلى الإنجليزية، والقصيدة التي نقدمها له هنا منشورة في موقعه الشخصي على شبكة الإنترنت.
***
أغرب شيء
أغرب شيء رأيته في حياتي
كان ملصقا ضخما
يحاذي طريقا سريعا في بيلا روسيا:
"قف! أطلق النار على الذئب"

في الجوار
لا وجود لأي ذئب
وأنا لا أحمل مسدسا
ولا يمكنني حتى أن أطلق النار
ولست الوحيد الذي على هذه الحال.

ولكنه أمر مثير للفضول
أمر يدفع المرء دفعا
إلى التفكير في حل عملي
للمهمة التي يواجهها.
***
وفي وسط مدينة القاهرة مقهى أغلب رواده من المثقفين والأجانب المقيمين في المدينة، مقهى لعله من عمر البناية التي تعلوه، والتي لعلها من عمر الحي كله، الذي يرجع تاريخه ربما إلى نحو مائتي عام. فليس عجيبا أن يصادفك في المقهى إعلان قديم، قوامه رَسْمٌ على ورق مصفر لفتاة تحمل في يدها زجاجة لم تعد متداولة في الأسواق، وعبارة ترويجية مكتوبة بلغة لا تتبينها، فلعلها لغة رحل أهلها ولم تبق متداولة إلا وراء أسوار سفارة، أو في ناد لفلول جالية أجنبية قديمة تتناقص، أو ربما لم يبق منها في المدينة إلا هذه العبارة، على هذه الورقة التي تصفرُّ باطراد. ملصق كهذا المعلق أمامك منذ دخولك المقهى، وحتى مجيء النادل إليك ليسألك بعامية لا تشوبها أي لكنة أجنبية عما تريد أن تشربه، ملصق كهذا قد يثير لعابك إلى زمن كامل بات في ذمة الماضي، ولكنه لا ينبغي أن يثير لعابك إلى المنتج الذي لم يعد له وجود. وهكذا ستجد نفسك تطلب من النادل منتجا آخر تعرف أنت ويعرف هو أنه متاح، ولو إلى حين.
ولعلك في شارع ترى ملصق فيلم قديم، مرت السنوات ولم يزل في مكانه، حائلا مهترئا كأنه جزء من الجدار نفسه. قد تعرف اسم الفيلم، وأسماء ممثليه وفريق العمل كله، ولكنك لن تبحث عنه في دور العرض.
فلماذا، إذن، يقف شخص أمام إعلان عبثي على الطريق يقول "توقف! أطلق النار على الذئب"؟ لماذا لم يفترض أنه إعلان انتهى الغرض منه دون أن ينتهي وجوده؟ لماذا لم يتصور مثل عابرين كثيرين غيره لا بد أن تكون أعينهم وقعت على الإعلان فاعتبرته مثلا جزءا من حملة دعائية ما؟ وكم من حملات دعائية بدأت هذه البدايات الغامضة ليتبيَّن بعد حين أن كل ذلك الغموض لم يكن أكثر من وسيلة خبيثة لاجتذابك إلى مزيد من الاستهلاك.
ولكن أحدهم توقَّف. نظر حوله فلم يجد غابة ولا برية، إنما هو طريق سريع في بيلا روسيا. نظر فلم يجد معه بندقية، وعلم أنه لا يجيد من الأصل إطلاق النار. ومع ذلك توقف. كان ينبغي أن يبتسم للملصق ابتسامة من لا يعنيه الأمر. وربما يحدث نفسه قائلا "هذا الإعلان ليس موجها لي أنا، إنه موجه لمن يمكنه أن يطلق النار، ولمن لديه سلاح، ولمن هو قادر أن يبحث عن ذئب".
لماذا يمكن أن يتوقف أحد أمام إعلان كهذا، ويسمح للفضول أن يدفعه دفعا إلى التفكير في أن هناك مهمة، ثم التفكير في حل للمهمة التي يرى أنها تواجهه؟
ربما لأن هذا الشخص بالذات يعرف أن هناك ذئبا حقا، وأن العثور على هذا الذئب لا يقتضي منه الدخول إلى غابة. ربما كل ما تحتاجه لكي ترى الذئب رأي العين لا يعدو أن تنظر في مرآة عند غضبك.
ربما لا يريد "أناتولي كودريافيتسكيأكثر من كتابة قصيدة عبثية أو عابثة. ولكن بوسعنا أيضا أن نقرأها هذه القراءة. سأقر من جانبي بأن هذا الذئب موجود فينا، ولكم أنتم أن تنفوا ذلك عن أنفسكم. نحن نعرف، ونقبل تماما، أن يكون من الناس من يستذئب فعليا، دفاعا عن أبنائها، أو دفاعا عن ماله، أو دفاعا عن وطنهم، أو لمجرد الغصب والعدوان. نعرف هذا ونقبله في أنفسنا. ولعلنا نتفق مع الإعلان في ضرورة قتل ذلك الذئب. فلو أننا قتلناه جميعا لما استذأبت أم خوفا على أطفالها، ولا رجل خوفا على ماله، ولا شعب خوفا على الوطن.
والسؤال البسيط، أخيرا: من الذي يمكن أن يطلق الرصاص على ذئب؟
ذئب مثله. هذا إجابتي.


الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

دونالد جاستيس...قصيدة

قصيدة
دونالد جاستيس
هذه القصيدة غير موجَّهة إليك
قد تدخل إليها قليلا
لكن لا أحد سيجدك فيها، لا أحد.
حتى وأنت جالس هنا،
بلا حركة،
بدأتَ تتلاشى، بلا تأثير.
والقصيدة ماضية بدونك.
بفتنة الفراغات الجليلة.

ليست حزينة في الحقيقة،
فقط فارغة.
ربما كانت حزينة ذات يومٍ
لا يعرف أحد لماذا.
تؤثِر ألا تتذكر أي شيء.
نُزعت عنها قبل زمان بعيد
قشرةُ النوستالجيا.

الجمال الذي تطلبه أصابعك على الكيبورد
لا مكان له هنا.
الليل سماء هذه القصيدة
الليل الذي لا تقوى على سواده النجوم
الليل الذي لا يطلب النور من أي نوع.

ما لك أن تفهم
أو تحاول أن تفهم ما تعنيه.
أنصت، هذه قصيدة بلا قيثارة،
لا تتبع في زيِّها أي صرعة مبهرة.
ولالك 
 فيها عزاء ولا سلوى .

أغمض وتثاءب.
ستنتهي عما قريب
وستنساها
لكن ليس قبل أن تنساك.
ولا يهم.
فهي في محوها
في أتمِّ الجمال.

أيتها المرايا المصقولة! يا محيطات الغرقى!
لا صمت يساوي صمتا.
ورأيُكَ لا يعني أي شيء.
القصيدة غير موجهة إليك.


دونالد جاستيس شاعر أمريكي (1925 ـ 2014)

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2015

دونالد جاستيس ... محطة الأتوبيس

محطة الأتوبيس
دونالد جاستيس

مصابيح تحترق
في غرف هادئة
تمضي على ناسها حياة
شبيهة بحياتنا
حياة هادئة
تتبعنا،
نعيشها
دون أن نملكها

واقفين هم في المطر
هادئين تماما
بعدما مضينا نحن
هادئين تماما
والأتوبيس الأخير
يقبل جاعلا المظلات الداكنة
تتفتح
وردات سوداء، وردات سوداء

وتستمر الحياة.
وتستمر الحياة.
كأنها مصابيح توقد بغتة
عند منعطفات الشوارع

أو كأنها مصابيح
نسيت ساعات
فمضت تحترق
تحترق

دونالد جاستيس شاعر أمريكي (1925 ـ 2014)

الاثنين، 9 نوفمبر 2015

دونالد جاستِس ... عبور كنساس بالقطار

عبور كنساس بالقطار
دونالد جاستِس
مر وقتٌ طويلٌ
وأعمدةُ الهاتف فاردةٌ أذرعها
للطيور التي لن تحطّ ولكن
ستمضي
وهي تصيح
في طريقها إلى الغرب
حيث الشجر الداكن يتلاقى
حول بركة ماء
هذه هي كنساس
وهنا تبدأ الجبال
من بعد أعينٍ مغمضةٍ
لأبناء المزارع النائمين
بثياب الشغل.

شاعر أمريكي (1925 ـ 2014)


الأحد، 8 نوفمبر 2015

دونالد جاستِس ... قصيدة تقرأ في الثالثة صباحا

قصيدة تقرأ في الثالثة صباحا
دونالد جاستِس
باستثناء مطعمٍ وحيدٍ في الضاحية
كانت مدينة لادورا معتمةً في الثالثة صباحا
إلا من مصباحي سيارتي الأماميين،
وأعلى
في غرفة في طابق ثانٍ
ثمة مصباح وحيد مضاء،
هنالك ربما شخص مريض
أو لعله يقرأ
بينما تمرق سيارتي.
في السبعين،
لا يخطر للمرء
أن يهدي هذه القصيدةَ
لذلك الشخص
أيًّا من يكون.



شاعر أمريكي (1925 ـ 2014)

Donald Justice

السبت، 7 نوفمبر 2015

جوديث كرول ... ملابسك

ملابسك

جوديث كرول

طبعا ستبقى قواقع خاوية ليس لها في الحياة أمل
طبعا ستبقى مجرد قطع مصنعة.

حتى لو ارتديت أنا وأختي بعضها
ووزعنا بعضها

ستبقى ثيابك دوما وهي دونك
تماما كما سوف نبقى ابنتيك
ونحن دونك

Judith Kroll


شاعرة أمريكية نشرت قصيدتها هذه في عدد مارس 2000 من مجلة POETRY الأمريكية