ما لم ترد إشارة إلى غير ذلك، فجميع ما في هذه المدونة من ترجمة أو كتابة هو لصاحب المدونة، أحمد شافعي، ولا يجب التعامل مع أي مادة هنا بما يتجاوز القراءة

الخميس، 14 يناير 2016

روبرت بلاي ... ما تريده الأشياء

ما تريده الأشياء


ولد الشاعر الأمريكي روبرت بلاي في غرب ولاية مينيسوتا الأمريكية عام 1926 لأبوين من أصول نرويجية. انضم إلى البحرية الأمريكية عام 1944 فقضى فيها سنتين ثم التحق بجامعة هارفرد لينضم إلى مجموعة من الطلبة الذين سيصبحون فيما بعد من ألمع الشعراء الأمريكيين: جون آشبري مثلا ودونالد هول وآدرين ريتش، وغيرهم. تخرج عام 1950، والتحق بورشة الكتابة الإبداعية في جامعة أيوا فتزامل فيها مع الشاعر دونالد جاسْتِس، وفي عام 1956 حصل على منحة من مؤسسة فولبرايت للسفر إلى النرويج لترجمة الشعر النرويجي، وهناك تعرف على عدد من الشعراء غير المشهورين في الولايات المتحدة آنذاك مثل بابلو نيرودا وجورج تراكل وقيصر باييخو، فقرر إنشاء مجلة لترجمة الشعر، فكانت مجلةٌ اسمها "الخمسينيات" ثم تغير اسمها ليصبح "الستينيات" ثم تغير أخيرا ليصبح "السبعينيات" والتي قدم فيها إلى جانب هؤلاء الشعراء وغيرهم من شعراء العالم شعراءَ أمريكيين كثرا أيضا.
شارك روبرت بلاي في عام 1966 في تأسيس جبهة الكتاب الأمريكيين المناهضين لحرب فييتنام، وحينما حصل على الجائزة الوطنية للكِتاب عن ديوانه "نور حول الجسد" تبرع بقيمتها للمقاومة. أنتج في السبعينيات سبعة كتب بين الشعر والترجمة، وتوالت كتبه بعد ذلك وحتى اليوم، لتطول قائمتها كثيرا، وتطول معها قائمة الجوائز والتكريمات التي نالها عنها.
***
ما تريده الأشياء
دعوا الأشياء
حيث تريد.

هذه الغرفة مثلا صغيرة
لكن هذه الأريكة الخضراء
تحب أن تكون هنا.

وهذه العيدان الضخمة
تتزاحم في الوحل
خارج المستنقع
لكنها هكذا
ترى العالم أجمل.

دعوا الأشياء
كما هي.
من يدري
أينا أحق بهذا العالم؟
***
"أود أن أنقل إليك كشفا اكتشفته خلال الوقت الذي قضيته هنا. لقد خطر لي وأنا أحاول تصنيف سلالتكم أن أدركت أنكم في واقع الأمر لستم من جملة الثدييات. فكل حيوان ثديي على هذا الكوكب يكوِّن بالغريزة نوعا من التوازن مع البيئة المحيطة به، فيما عداكم أنتم يا معشر البشر. فأنتم تحلون بمنطقة، وتتكاثرون وتتكاثرون إلى أن يتم استهلاك كل مورد طبيعي متاح، وحينئذ لا يبقى من سبيل لبقائكم إلا بالانتشار في منطقة أخرى. هناك مخلوق آخر على هذا الكوكب يتبع نفس هذا النمط، أتعرف ماذا يكون؟ الفيروس. البشر مرض. سرطان هذا الكوكب. أنتم طاعون نحن دواؤه".
هذه الكلمات من أكثر ما ينبغي أن يعلق بالذاكرة من فيلم ميتريكس Matrix الشهير. كلمات يقولها العميل سميث، أحد أهم البرامج المسئولة عن محاربة البشر المخلِّصين، وهو يقولها تحديدا لنيو، المختار، المخلص المنتظر للبشرية من سيطرة الآلات عليها.
ولعل جدارة هذه الكلمات بالبقاء في الذاكرة تنبع من أنها في حقيقة الأمر ليست كلام العميل سميث، ليست كلام برنامج صممته آلة ذكية، ولكنها ببساطة كلمات وأفكار "آندي" و"لاري" واكوفسكي. كلام اثنين من البشر، قد لا يكونان مؤمنين حقا بأن البشر سرطان هذا الكوكب، ولكنهما قادران أن يتمثلا وجهة نظر معادية لوجودهما، وذلك من أهم ما ينبغي أن يحسب لنا كسلالة عندما تحسب النقاط في المسابقة الكوكبية لأفضل سلالة.
من المؤكد أن روبرت بلاي ليس سليمان هذا الزمن، فيمشي في شقته منصتا لحوارات الكرسي والكنبة، أو في الغابة مدركا أحاسيس النباتات والدواب، من المؤكد أنه واحد منا، ليس فيه شيء من دكتور دوليتل Doctor Dolittle، ولكنه، على الأقل في  لحظة الكتابة، يستطيع أن يضع نفسه في موضع غيره، سواء كان هذا الغير إنسانا آخر، أم كائنا آخر، أو حتى جمادا من الجمادات. وربما تكون هذه المقدرة، أعني مقدرة الإنسان على أن يضع نفسه في موضع الآخرين، هي أحد المعايير الدقيقة لقياس إنسانية كل واحد فينا. 

والقصيدة تنتهي بسؤال. فما أشبهها في هذا بامتحانات الزمان القديم: اقرأ القطعة التالية ثم أجب الأسئلة. حسن: اقرأوا القصيدة وحاولوا الإجابة على هذا السؤال: أينا أحق بالعالم؟ زمن الإجابة: ما بقي من العمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق