ما لم ترد إشارة إلى غير ذلك، فجميع ما في هذه المدونة من ترجمة أو كتابة هو لصاحب المدونة، أحمد شافعي، ولا يجب التعامل مع أي مادة هنا بما يتجاوز القراءة

الخميس، 28 يناير 2016

رونيلدا كامفر ...خشية أن تسهر أو تنام

خشية أن تسهر أو تنام
Ronelda S Kamfer

رونيلدا كامفر شاعرة من جنوب أفريقيا، ولدت سنة 1981، وتوصف على موقع الشعر الدولي بأنها دخلت عالم الشعر الأفريكاني دخول الصاروخ، والشعر الأفريكاني هو الشعر المكتوب باللغة الأفريكانية المنحدرة من الهولندية والتي يتكلم بها السكان في جنوب أفريقيا ونامبيا بالدرجة الأساسية. 
القصيدة التالية ترجمتها رونيلدا كامفر بنفسها إلى اللغة الإنجليزية
***

تصبحن على خير

إلى كاندي، وإيمي، وجيسي

عسى أن ترقَّ لكنّ العتمةُ
عسى أن يعني الصمتُ السلامَ
عسى أن تبعثكنَّ
أصواتُ العتمةِ وظلالُها
إلى جَنَّات النعاس 
عسى أن تراودكن الأحلامُ
ولا يغلبكن النوم.
*
ترى من كاندي وإيمي وجيسي؟ لقد خطر هذا السؤال لكاتب هذه السطور، وكعادتنا في هذا الزمن، لم يعد الواحد يخطر له السؤال فيفكر في إجابته، أو يتأمله، فيجيبه أو يعجز عن إجابته، بل يلجأ لجوء البشر البدائيين إلى جماعته مستقويا بها على الغموض. بات المرء في هذا الزمان لا يصادف سؤالا إلا ويطرحه على الفور، وحينما أقول على الفور فإنني لا أعني بها إلا على الفور، بما تستوجبه هذه السرعة من إيكال الأمر أحيانا، إن لم يكن كثيرا، إلى غير أهله.
في الماضي السحيق، أي قبل عدة سنوات من ظهور فيسبوك وتويتر وغيرهما من مواقع التواصل - وما هذا بتواصل - كان المرء يأخذ سؤاله إلى الجامعة، فيطرحه على أستاذ يرجى منه أن يكون أعلم بالإجابة من غيره؟ أو هو يأخذ سؤاله إلى المكتبة، أو يستشير فيه الموسوعة، ثم جاءت مواقع البحث الإلكترونية فسهلت على الباحثين بحوثهم. ولكن ظهر الفيسبوك، وأصبح على المرء فقط أن يضع سؤاله هناك، استيتس كما يقال، ويجيب الأصدقاءُ كلٌّ بما كتب الله له من معرفة أو جهل.
وهكذا فعل كاتب هذه السطور، عرض السؤال على أصدقائه: في رأيكم من تكون جيسي وإيمي وكاندي، بنات الشاعرة المولودة سنة 81  أم صاحباتها؟
أجاب أحدهم قائلا إنهن ربما قطط تربيها أو كلاب. وأجاب آخر: ما دامت الشاعرة مولودة سنة 81 فهؤلاء على الأرجح صديقات لها. وأجاب ثالث قائلا: جميل فعلا. ولا أعرف ما الجميل فعلا؟ طبعا القصيدة نفسها قد تكون جميلة، ولكن ماذا عن السؤال؟
الإجابة التي مال إليها كاتب هذه السطور، وهو في النهاية مجرد قارئ للقصيدة شأنه شأن أصدقائه على فيبسوك، هي أنه ما من أمٍّ يمكن أن تتمنى لبناتها السهر بدلا من النوم، حتى لو كان السهر هذا مليئا بأحلام يقظة وردية عذبة.
وذلك تحديدا ما علَّق به على تعليقات أصدقائه، فوافقه منهم من وافقه، وتجاهله من تجاهله.
لكن إذا لم تكن كاندي، وإيمي، وجيسي بنات الشاعرة، فهل هن صاحباتها؟ فأي صاحبة هذه التي تأخذ صاحباتها إلى السرير وتتمنى لهن أحلاما سعيدة؟ لسن صاحبات لها بالقطع، وقلنا إنهن لسن بنات لها، وليس في القصيدة ما يدعو إلى الظن أنهن قطط أو كلاب، فما العمل؟
العمل هو أن نقرَّ بأنه سؤال لا طائل من ورائه، وإلا لما طرح على فيسبوك أصلا؟ هو سؤال لا طائل من ورائه لأننا نتعامل مع قصيدة لا مع صحيفة أحوال الشاعرة الجنائية. نتعامل مع نص برغم بساطته إلا أن فيه توتره، ولا يخلو من التناقضات. نص يكلمنا عن وحش اسمه الظلام. نص يخاف من الصمت. نص يرى السعادة في النوم ويراها في السهر، في وقت واحد، ويراها في الأحلام. نص يكلمنا عن صمت الظلام، وعن أصوات الظلام، وعن ظلال في الظلام، وهو في النهاية مهدى إلى ثلاث إناث.
قد تكون الشاعرة صديقة لهن أو أمًّا، لكنها لم تستطع أن تتخلَّص من كونها قبل هذه الصفة أو تلك شاعرة، ترى في كل شيء وجهيه، أو وجوهه، وتحيط في أقل الكلمات عددا بما تلزم كلمات كثيرة لإعادة صياغته، أو لإيضاحه، أو حتى لمجرد تأمله.
لقد خاطبت امرأة فرعون ذات يوم  الله تعالى قائلة "رب ابن لي عندك بيتا في الجنة". لم تكن تلك الأمنية تعني فقط أنها امرأة مؤمنة، ولكنها قد تعني أيضا أنها أمرأة بلا بيت، أنها، وهي الساكنة قصر حاكم مصر، درَّة ذلك العالم وذلك الزمن، كانت تشعر أنها بلا بيت، وأن البيت على وجه التحديد هو ما ينقصها، وأن القادر على تحقيق هذه الأمنية البسيطة ليس أقل من إله مطلق القدرة.
نعم، إلى هذا الحد قد تفضحنا أمانينا. وها هي شاعرة تتمنى من العتمة أن ترقَّ فنعرف أن غاية ما تعرفه عن العتمة أنها قاسية، وتتمنى من الصمت أن يعني السلام فنعرف أن غاية ما تعرفه عن الصمت أنه ما يسبق العاصفة، وتتمنى أحلاما بلا نوم، فنعرف بالضبط فيم تقضي رونيلدا كامفر ليلها إن سهرت وكيف تقضيه إن نامت. نعم، بوسعنا أن نعرف من هذه القصيدة إنسانا، شريطة ألا نفكر في كاندي وإيمي وجيسي اللاتي مهما تكن علاقتهن وثيقة بالشاعرة إلا أن علاقتهن بالقصيدة أوهى ما تكون.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق