ما لم ترد إشارة إلى غير ذلك، فجميع ما في هذه المدونة من ترجمة أو كتابة هو لصاحب المدونة، أحمد شافعي، ولا يجب التعامل مع أي مادة هنا بما يتجاوز القراءة

الخميس، 7 يناير 2016

رب هنا .. رب هناك

رب هنا .. رب هناك




ولد آدم زجاجيفسكي سنة 1945 في مدينة لفوف  ذات الأغلبية البولندية، وقد أصبحت في العام التالي لمولده جزءا من الاتحاد الأوكراني. اضطرت عائلته إلى الانتقال قسرا إلى وسط بولندا، بعدما عاشت على مدار قرون في لفوف. ومنذ ذلك الحين يعيش زجاجيفسكي حياة بدوية، حيث قضى فترات من حياته في فرنسا وألمانيا وعمل بالتدريس في جامعات عديدة بالولايات المتحدة من بينها جامعة شيكاغو بحسب ما ذكر جيمس كروز في ملحق التايمز الأدبي في يونيو 2013.
يشتهر زجاجيفسكي ـ والكلام لا يزال لكروز ـ بقصائد دائمة التنقيب في التقاطعات ما بين الفن والحياة، والتاريخين الشخصي والعام. ومن أشهر قصائده قصيدة "محاولة مديح عالم مشوّه" التي نشرتها مجلة ذي نيويوركر المرموقة على غلافها الخلفي غداة هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
في حوار معه قال زجاجيفسكي إن "الشعر بوصفه أدبا، وبوصفه لغةً، يكشف في العالم عن طبقة موجودة ولكن الأعين لا تلاحظها في الواقع، وهو بقيامه بهذا يغيِّر في حياتنا، يوسِّع الفضاء الذي نحن إياه".
تلك كانت سطورا من مقدمة جيمس كروز لقصيدة نشرها ملحق التايمز الأدبي في يونيو من عام 2013، مترجمة إلى الإنجليزية بقلم ريندا جورشينسكس وبنجامين إيفري. إليكم القصيدة المهداة إلى الشاعر البولندي زبجنيو هربرت، أحد الذين تحبهم هذه المدونة، ويدين لهم صاحبها:
***
في البلدات الغريبة
إلى زبجنيو هربرت

في البلدات الغربيةِ
بهجةٌ مجهولة،
بهجة الجمال البارد
في النظرة الجديدة.
مساكن صفراء تتسلّقها الشمسُ
عنكبوتةً رشيقةً
لكن
ليس فيها مسكن لي.
وليس لأجلي
أقيم مجلس المدينة
والميناءُ
والسجنُ
والمحكمةُ.
يفيض على البلدة البحرُ
في مدِّه المالح
يُغرق الأقبية والأفنية.
وفي  شارع السوق
أهرامٌ من التفاح خالدة
طيلة نهار واحد.
حتى المعاناة نفسها
ليست معاناتي،
إنما هو أحمق من أبناء البلدة
يغمغم بلغة أجنبية،
أو هو يأس فتاة وحيدة في مقهى
كأنها لوحة في متحف ضعيف الإضاءة.
أعلام ضخمة ترفرف كما في أماكن مألوفة
وقطع من الرصاص الثقيل المعهود
على أطراف الورق
والأحلام
والخيال
الذي صار بغتة
جامحا
لا وطن له ولا حدود.
***
ولعلنا لسنا بحاجة إلى الذهاب إلى آخر العالم طلبا لهذه البهجة المجهولة. خاصة وقد حسمها قسطنطين كفافيس عليه رحمة الله إذ قال إنك لو خرَّبت حياتك في هذه المدينة، فستجد حياتك خربة في أي مدينة تحلُّ بها. المسألة في النيّة، في تحديدك لموقعك من العالم. صحيح أنه من لم يهتم بأمر المسلمين ـ أو القوم ـ فليس منهم، ولكن على المرء أن لا ينسى أنه هو نفسه من جملة المسلمين ـ أو القوم ـ وأن عليه أن يهتم لأمر نفسه، وأن يحسن الاهتمام، لأنه لو لم يفعل ذلك لن يكون لديه ما يقدمه لأحد.
وفي البلدات الغريبة، يمكن أيضا ألا ترى العينُ جديدا، وأن تتألم لكل معاناة، وتفهم من ملامح الوجه، لا من رطانة الغمغمات، أن هناك من يعاني. حتى البلدات الغريبة يمكن أن تقتحم البعض منا، وتؤلمهم، حتى ليشق عليهم النوم مثلما يشق الصحو. فالقادر على عدم الإحساس بآلام الآخرين في آخر العالم، قادر على ذلك في أول العالم. ثم إننا موجودون في آخر العالم حيثما نكون، وليس علينا لنتأكد من هذا إلا أن نتخيل أنفسنا من وجهة نظر شخص آخر موجود في الجهة المقابلة لنا تماما من الكوكب الكروي.
هنا، حيثما أنت بالضبط، ثمة حرية، وبهجة، وسعادة، وقدرة على تجاوز قيود الحياة اليومية، هنا في هذه البلدة بالذات، حيث يمكن أن تنظر حولك فترى ناسا يجيئون من آخر العالم لأنهم وجدوا هنا، ما تحلم أنت أن تذهب إلى بلدانهم لتراه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق