ما لم ترد إشارة إلى غير ذلك، فجميع ما في هذه المدونة من ترجمة أو كتابة هو لصاحب المدونة، أحمد شافعي، ولا يجب التعامل مع أي مادة هنا بما يتجاوز القراءة

الخميس، 10 ديسمبر 2015

كبير ...الفئران بحارة والقطط زوارق

الفئران بحارة والقطط زوارق
برغم  قلة المعلومات المتوفرة عن حياة الصوفي والشاعر الهندي "كبير"، إلا أنه يعتقد أنه ولد بالقرب من بيناريس  (المعروفة حاليا بـ فاراناسي ) وأنه عاش في القرن الخامس عشر للميلاد، ونشأ في عائلة من النساجين المسلمين، إلى أن صار من أتباع الزاهد الهندوسي رامانادا، فهو إذن صوفي مسلم، وقديس من قديسي طائفة البراهما أيضا.

أهم ما صدر لكبير باللغة الإنجليزية كتاب عنوانه "مائة قصيدة لكبير" وقد ترجمها إلى الإنجلزية رابندرانت  طاغور وإيفيلين أوندرهل،  وكتاب "كبير: قصائد النشوة" الذي ترجمه الأمريكي روبرت بلاي.

غير أن القصيدة التي نقدمها هنا مأخوذة من غير هذين الكتابين. هي من مجموعة قصائد نشرت في عدد مارس 2011 من مجلة "شعر" الأمريكية بترجمة أرفيند كرشنا مهروترا. 
***
كيف
يسأل رئيس الشرطة:
كيف تحرس مدينةً
محلاتُ الجزارةِ فيها
تحرسها النسور،
والثيران فيها ولود
والأبقار عقيم
والعجول تحلب
ثلاث مرات كل يوم،
مدينة فيها
الفئران بحارة
والقطط زوارق
والفئران تجدّف
والضفادع تحتفظ بالثعابين
وكلاب الحراسة
وأبناءُ آوى
تطارد الأسود؟

فهل يعرف أحد
عن أي شيء أتكلم؟
هكذا يقول كبير.
***
من المؤكد أن أذواق الناس تختلف. ففي قصيدة كهذه قد يبتسم الكثيرون لتصور كلب يطارد أسدا، أو ثور على وشك الولادة، أو عجل صغير يُحْلَب بدلا من أن يجد غذاءه في ضرع أمه البقرة؟ ولكنا لسنا متأكدين أن جملة مثل "ثلاث مرات يوميا" فيها طرافة قد تدفع أحدا إلى الابتسام. برغم ذلك، بدت لنا هذه الجملة كذلك. يقول كبير: "والعجول تحلب/ثلاث مرات كل يوم". كان يكفيه بالفعل أن يقول إن العجول تحلب، ويكون بذلك قد أضاف غريبة إلى الغرائب التي يسردها في قصيدته على لسان رئيس الشرطة. ولكنه أبى إلا أن يحدِّد عدد مرات حلب العجول كل يوم. ذلك بالضبط كأن تسأل أحدهم عن عنوان بيته فيقول لك إنه ساكن في جهنم، ثم يتبع ذلك بأن يخرج لك من جيبه بطاقة تقرأ فيها مثلا 23 ش الكفار متفرع من ميدان إبليس.
***
القصيدة التي تبدأ بسؤال من رئيس الشرطة، تنتهي بسؤال من الشاعر؟ الأول يسأل: كيف تمكن حراسة مدينة انقلبت فيها الموازين؟ وهو سؤال صعب ويجب أن يطرحه رئيس الشرطة فعلا. لنتخلص مؤقتا من البسمة التي لا بد أن تكون مرتسمة على وجوهنا تشفِّيا في حيرة رئيس الشرطة. ولنتأمل بالفعل هذه المدينة: إن الكلاب فيها تطارد الأسود، والأبقار لا تلد بينما الثيران هي التي تتولى عنها هذه المهمة؟ حينما تكون أنت رئيس شرطة هذه المدينة، ألن يدور في ذهنك سؤال عما آل إيه السارق والمسروق؟ اللص والضحية؟ المواطن والحرامي؟ من أصبح ماذا؟ وكيف لرئيس الشرطة ورجاله ـ المساكين مؤقتا ـ أن يقيموا العدل في المدينة، باعتبار أن هذه مهمهتم؟
هل في مدينة انقلبت فيها الآيات بهذه الطريقة يصبح عدم حراسة المدينة هو حراسة المدينة؟ هل يكون هذا هو الجواب للسؤال المطروح من رئيس الشرطة؟
***
هل يعرف أحد عن أي شيء أتكلم؟ هكذا يقول كبير.
يبدو أننا بمجرد أن نتجاوز الخليج العربي إلى شاطئه الشرقي حتى نرى هذه العادة لدى الشعراء لا سيما القدماء منهم. نعني عادة التوقيع بأسمائهم في نهايات القصائد. ذلك ما نجده مثلا عند شاعري شيراز، سعدي وحافظ، وما نصادفه في هذه القصيدة لكبير. فمن يدين لمن؟ شعراء فارس لشعراء الهند أم العكس؟
السؤال الأهم بالنسبة لنا ليس هذا، بل سؤال كبير نفسه: هل يعرف أحد عن أي شيء أتكلم؟ نعم، أو هكذا نتمنى. يبدو أنك يا جدنا كبير تتكلم عن العالم وقد جن جنونه، وانقلبت معاييره. ولكن السؤال الذي نطرحه نحن: هل الأمر قديم إلى هذه الدرجة؟ إننا ننظر حولنا فنجد العالم وقد جن جنونه فعلا. ألا نرى حينما نمعن النظر أن حكام العالم الحقيقيين هم تجاره؟ أليس هذا غريبا بعض الشيء؟ ألا تدفع الشعوب، كل الشعوب، رواتب لأفراد منها فلا يكون هؤلاء الأفراد عمالا لديهم، بل عمالا عليهم؟ أليست هذه، بمجرد النظر، آيات مقلوبة؟
ولكننا نقرأ قصيدة كبير فنجد أن الفأر يركب القط منذ زمن بعيد، منذ القرن الخامس عشر على الأقل. كيف بعد مرور كل هذا الوقت لم نقبل أن هذه هي الحالة الطبيعية للوجود؟

كيف لم يدر ببالنا ولو للحظة أن طلوع الشمس من المشرق هو الخطأ، وأن طلوعها المنتظر من المغرب، هو الذي سيعيد العالم إلى صوابه، ويعيد كل شيء إلى نصابه؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق