ما لم ترد إشارة إلى غير ذلك، فجميع ما في هذه المدونة من ترجمة أو كتابة هو لصاحب المدونة، أحمد شافعي، ولا يجب التعامل مع أي مادة هنا بما يتجاوز القراءة

الخميس، 24 ديسمبر 2015

ذي شان ساحل ... للبيت أربعة جدران .. وللسجن أيضا

للبيت أربعة جدران .. وللسجن أيضا

Zeeshan Sahil



ولد الشاعر الباكستاني ذي شان ساحل في الخامس عشر من ديسمبر سنة 1961 في حيدر أباد بالسند. هو واحد من أهم الشعراء الذين بدأوا كتابة شعر النثر في باكستان. أصدر خلال حياته ثماني مجموعات شعرية بالأردية، جمعت كلها في مجلد واحد في عام 2011، بعد نحو ثلاث سنوات من وفاته في الثاني عشر من ابريل سنة 2008.
القصيدة التي نقدمها له هنا مأخوذة من كتاب صدر له باللغة الإنجليزية بعنوان "أشياء خفيفة وثقيلة"، والقصيدة ترجمت من الأردية إلى الإنجليزية بتعاون بين فيصل صديقي وكرستوفر كينيدي ومي ديتمار ونشرتها مجلة جورنيكا في مارس 2013.
***
أربعة جدران
لك أن تسميه بيتا
ذلك المكان الذي نعيش فيه.
غرفة عالية جدا
ذات سقف منخفض جدا
شباك واحد، كبير بعض الشيء
وباب واحد بالغ الصغر
يمكنك أن تعبره
وذراعاك مطويان على صدرك
وقدماك
لا ترتفعان مطلقا عن الأرض.
يمكن أيضا أن تطل من هذا الشباك
شباكِ الغرفة العالية جدا
ذات السقف المنخفض جدا
إذا شئت،
ويمكنك أن تنام
لكن بدون أن تفرد ساقيك
ويمكنك أن تعيش
لكن بدون أن ترفع رأسك.
***
ربما كان الإنسان الأول يسير في فجر الزمان على أرض كوكبنا هذا وهو يحاذر الدواب ما صغر منها ودق، وما كبر منها حتى تعملق. ربما كان يجري حذر الموت تحت قدمي ديناصور غافل عنه غفلة جنود النبي سليمان لاحقا عن النمل من تحت أقدامهم. ربما كان لا يأمن جوارح الطيور التي برع في آخر الزمان "ستيفن سبيلبرج" في تصويرها. ربما كان الإنسان الأول ضعيفا مهددا من الطبيعة كلها، ولعل ذلك الخوف كان ضرورة، فقد تعلم أجدادنا الأوائل أولئك أنهم بحاجة إلى التكتل في مواجهة عدوان الطبيعة الجامحة، وليس ذلك فقط طلبا للأمن، بل طلبا للانتصار، لاغتنام المستقبل، لتجاوز الطبيعة في سباق يفرضونه عليها فرضا، ولا تملك هي فيه إلا أن تنهزم. سباق الأفكار. كان خوف أجدادنا الأوائل نعمة عليهم، تعلموا منها أن البقاء على الأرض لا يمكن أن يتم لهم ما لم يضيفوا إضافة ملموسة تبرَّر لهم امتلاك هذا الكوكب. كان الخوف إذن أول الطريق إلى الحضارة. أو هكذا نظن.
لم يكن البشر إذن ـ فيما نتصور ـ مشكلة بعضهم البعض. كان بوسع أي إنسان أن يلوذ بكهف فلا يحذر أن يجد فيه إنسانا مثله، إنما كان الخوف أيامها ممن ليسوا ببشر. أما البشر، فكيف يخشون بعضهم بعضا وهم جميعا في خندق واحد؟ كان يمكن إذن لكهف أن يتسع لاثنين ليست بينهما معرفة مسبقة، أو ربما ثلاثة، أو ربما أكثر من ذلك بكثير. فمنهم من ينامون، ومنهم من يسهرون للحراسة، أو للرسم على الجدران. نعم، كانت لكهوف ذلك الزمان جدرانها، ولكنها في الأغلب ثلاثة فقط.
وبمرور الوقت صار لا بد من جدار رابع، يجعل من الكهف بيتا، أو سجنا. لا يمكن لأحد الآن أن يعيش في أقل من أربعة جدران. لا يمكن أن يبدأ أحد حياته بأقل من ذلك. ثلاثة جدران الآن لا تعني إلا التشرد، وذلك بحد ذاته منتَج ثانوي من منتجات الحضارة. تلك الجدران الأربعة هي التي كانت وراء الأزمة الاقتصادية التي أوجعت الولايات المتحدة قبل سنوات. عشرات آلاف الحالمين بأربعة جدران اقترضوا من البنوك ليؤمِّنوا الجدران الأربعة، تساهلت البنوك في منح القروض، وأقيمت بيوت وبيعت، وفجأة اختل مسمار، أو انكسر ترس، وانفقأت الفقاعة في وجوه الجميع.
***
لم يكن جدارا وحسب هو الذي أضافته الحضارة البشرية، فذلك الجدار بالذات جعل بعض البشر مشكلة بعضهم الآخر. وبدلا من تعاضد الماضي السحيق، صار من البشر من يملكون قصورا قد لا يجدون الوقت الكافي للمرور عليها، ناهيكم عن الإقامة فيها، ومن يعيشون في غرفة عالية جدا، ذات سقف منخفض جدا، يمكنك أن تعيش فيها، ولكنها حياة لا يمكنك فيها أن ترفع رأسك.
ومن القصائد ما يكون الاكتفاء بالإعجاب به عارا. ربما "الواجب" بعد أن نقرأ قصيدة كهذه أن نشعر أن علينا أن نفعل شيئا. ليس ضروريا أن يكون ذلك الشيء واضحا لنا، أو واحدا نكرره جميعا. لكن ينبغي، في تصوري، أن نفعل شيئا. يمكن مثلا أن لا ننهر أطفالنا حين نراهم بأصابع لم تزل بريئة براءة أصابع الإنسان الأول يشوهون الجدران بألوانهم، فسيكون لدى الجدران من الوقت ما يكفيها لتشوههم في المقابل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق