ما لم ترد إشارة إلى غير ذلك، فجميع ما في هذه المدونة من ترجمة أو كتابة هو لصاحب المدونة، أحمد شافعي، ولا يجب التعامل مع أي مادة هنا بما يتجاوز القراءة

الخميس، 17 ديسمبر 2015

لي يانج ليي ... احك يا شهريار

احك يا شهريار
Li-Young Lee



يمكن من قبيل التسهيل على أنفسنا وعليكم أن نقول إن "لي يانج ليي" شاعر أمريكي. أما إذا اخترنا الصعب، فهو مولود عام 1957 في جاكرتا، وهذه في إندونيسيا، لأبوين صينيين. فأبوه كان طبيبا خاصا لماوتسي تونج في الصين، ثم استقر بأسرته في اندونيسيا، ثم هرب بالأسرة من اندونيسيا إلى هونج كونج وماكاو واليابان ثم الولايات المتحدة.
ولكن ما الجنسية الموجودة في جواز سفره؟ لا نعرف بالضبط، ولكننا نحسبه أمريكي الجنسية. وهو على أية حال يكتب بالإنجليزية. درس في جامعة بيتسبرج وأرزيونا ونيويورك، ودرَّس في العديد من الجامعات الأمريكية. صدر له عام 2008 ديوان "خلف عينيّ" و"كتاب الليالي" عام 2001 وهذا الديوان فاز بجائزة وليم كارلوس ويليامز المرموقة. أما القصيدة التالية فمن كتابه "المدينة التي أحبك فيها".
***
قصة
مسكينٌ ذلك الذي تُطلب منه قصةٌ
فيعجز أن يأتي بواحدة.

وفي حجره ابنه ذو السنوات الخمسة
ينتظر.
ليست القصة نفسها يا بابا. واحدة جديدة.
فيحكّ الرجل ذقنه، ويدعك أذنه.

أفي غرفة مليئة بالكتبِ
في عالمٍ مليء بالقصص،
يعجز أن يتذكر قصة؟
سرعان ـ هكذا يفكر ـ ما سيملُّ الصبي أباه.


الرجل انتقل بالفعل إلى بعيد في المستقبل
إنه يرى يوم يذهب الصبي. لا تذهب!
تعال اسمع قصة التمساح. قصة الملاك مرة أخرى!
طيب، أنت تحب قصة العنكبوت.
العنكبوت الذي جعلك تضحك.
تعال وأحكيها لك.

ولكن الصبي يحزم قمصانه،
إنه يبحث عن مفاتيحه. من تظن نفسك
يصيح الرجل، لأجلس أبكم في حضرتك؟
ومن تظنني أنا فترفض أن يليق بي الفشل؟

ولكن الولد هنا. أرجوك يا بابا. قصة.
عاطفية أكثر منها منطقية هذه المعادلة،
وأرضية لا سماوية،
معادلة تقول إن توسلات الابن
مع زيادة حب الأب
تساوي الصمت التام.
***
يقال إن من أكثر الناس عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر، أولئك الذين يكثرون من أحلام اليقظة، فينسجون عوالم موازية لعالمهم الواقعي المفترض، يشبعون بها نقصا يعانونه في دنياهم، وإذا بهم في آخر العمر وقد عجزت عقولهم عن التمييز بين ما كان معيشا في الواقع، وما كان معيشا في الخيال، وإذا بهم عجائز مخرفون، أو لنقل مصابون بمرض ألزهايمر.
صاحبنا في هذه القصيدة ليس من هؤلاء. فهو لا يقيم عالما موازيا ليستمتع به، بل يقيمه من فرط خوفه، أو هو العالم يقام أمام عينيه من تلقاء خوفه، صاحبنا يستعجل غده، ويستعجل أسوأ غد يمكن له أن يتصوره. يستعجل اليوم الذي يقرر فيه ولده أن يتركه، فيحزم حقيبته ويرحل، لا لأن الولد نضج وصار عليه أن يقيم عالمه في الواقع، بل لأن أباه لم يعد صالحا لإمداده بالحكايات.
يحسب هذا الأب المحب أن اللحظة التي سيستقل فيها ولده عنه، لن تكون إلا نتيجة لفشله في أن يحكي له قصة جديدة عندما كان ابن خمس سنين. ولعله محق في تخوفه هذا، فمن منا يدري أي أفعاله جميعا سيخلد في ذاكراة أولاده دون غيره؟ من يدري ما الذي يستبقيه الإنسان من طفولته لشبابه ورجولته وربما شيخوخته؟ كل ما نعرفه ونثق فيه هو قول الشاعر الإنجليزي القديم إن الطفل أبو الرجل.
***
لن تكون هذه أول مرة تنفرد القصة بالبطولة على الطريقة الأمريكية، فطالما كانت القصة بطلا منقذا، وفي الأثر أن ثلاثة كانوا في كهف سدّته عليهم صخرة، فحكى كل منهم قصة خير فعله، فانزاحت الصخرة، وفي تراث الآيرلنديين الشعبيين حكاية ملك تاه في طريق، حتى إذا أنهكه الجوع حل ببيت فيه رجل وامرأته فسألهما طعاما فأشاروا إلى جذع خشب بينهما وقالوا: بيننا وبين أن يصير الخشب طعاما أن تحكى ثلاث قصص صادقة.
غير أن مشكلة الأب في القصيدة أصعب. فهو ليس مطالبا بأن يحكي قصة خير قام به، أو أن يحكي قصة على أن يصدق الحكي، إنه مطالب بالجديد، والجميل، والممتع، وتلك ورطة ربما لا يعرفها أحد مثلما يعرفها كتّاب القصة، لولا أن جمهور هؤلاء قد يتحرجون أن يشيحوا بأبصارهم كما قد يفعل طفل حين لا تعجبه حكاية. كل ما هنالك أنهم يمتنعون عن شراء قصصهم، فيبقى الخشب خشبا لا طعاما.
وعندنا في النهاية معادلة يمكن أن نتأملها: لهفة الابن وتوسلاته + حب الأب الجارف = الصمت التام. 
لتغيير هذا المنتج، لإضافة بداية ووسط ونهاية بدلا من الصمت، لا بد من تغيير في المدخلات، في طرف المعادلة الأيمن: لهفة أقل من الولد مثلا، حب أقل من الأب، أو لنقل شيء من البرود يجعل التأليف ممكنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق